
لطالما شدتني الأعمال الدرامية التي تروي السير الذاتية لكبار المشاهير، من “أم كلثوم” إلى “حليم”، “ناصر”، “أسمهان”، “الشحرورة”، وصولًا إلى “الجماعة” وغيرها. لكن مؤخرًا، تابعت عبر منصة شاهد سيرة الفنان جورج وسوف بعنوان “مسيرتي”، وهو عمل أُنتج قبل سنوات وعرضته mbc من اشهر قليلة
لكن في سيرة سلطان الطرب بدا كل شيء مختلفًا جرأة، صدق، وعفوية جعلت المشاهد أمام إنسان حقيقي أكثر من كونه نجمًا متألقًا.
في عمر الرابعة عشرة، كان الوسوف يعيش حياة لا تشبه أقرانه. يروي العمل كيف كان يرتاد الكباريه، ويدخن، ويحتسي المشروبات الروحية. ومنذ بداياته، يظهر “أبو وديع” بشخصية مختلفة، مليئة بالتجارب التي صنعت منه لاحقًا فنانًا خارج القوالب التقليدية.
الشاب الذي لمع نجمه وسافر إلى فرنسا لإحياء الحفلات، عرف النجاح المبكر، لكنه لم يسلم من نزواته. في لحظة ضعف خسر مدخرات سنتين في ألعاب الميسر، قبل أن يعود إلى لبنان ليخوض فصلًا جديدًا من حياته مع شاليمار “زوجته” العلاقة التي حملت الكثير من المشاكل والاضطرابات فنكتشف تفاصيل علاقته بها وما شابها من أزمات وصلت إلى حد الاستعانة بمسلحين.
لم يتوقف العمل عند النجاحات والأزمات العاطفية، بل ذهب إلى أكثر مراحل الوسوف قسوة المرض والعلاج والعمليات الجراحية في الولايات المتحدة. هنا ظهر أبو وديع في أقصى درجات العفوية، يتحدث بصدق مؤلم عن الألم، الخوف، ومعركته لاستعادة صوته وصحته ووقوفه مجددًا أمام جمهوره.
ما يميز “مسيرتي” أن الوسوف لم يسعَ إلى التجميل أو التغطية على أخطائه. بالعكس، كشف عن نزواته وهفواته كما هي، مقدّمًا نفسه كإنسان كامل بضعفه وقوته، لا كنجم مثالي مصطنع، وهذه الصراحة جعلته أقرب إلى جمهوره من أي فنان آخر.
ليس عبثًا أن الجمهور يناديه بالاسم الذي يحب “أبو وديع”، بدلًا من ألقاب النجومية المعتادة. إحدى السيدات ممن عرفنه قديمًا روت كيف كان يطل من شرفته على الأطفال في الحي، فيناديهم ويمنحهم مالًا ليشتروا ما يحبونه. هذه البساطة والدفء رافقاه في حياته كما في فنه.
من نقاط قوة “مسيرتي” أيضًا المشاهد التمثيلية التي جسدت طفولته، خصوصًا الأداء المميز للطفل الذي لعب دور الوسوف الصغير، إضافة إلى المقاطع التي رواها جورج بنفسه، ما منح العمل صدقية مضاعفة وجعل الجمهور يعيش القصة بعيون صاحبها.
في النهاية “مسيرتي” ليس مجرد عمل عن فنان، بل شهادة حيّة عن إنسان لم يعرف المواربة. جورج وسوف في هذا المسلسل يقول للجمهور هذه حياتي كما هي، بانتصاراتها وخساراتها، بنجاحها ونزواتها، بمرضها وأملها.
ولعل هذا الصدق هو ما جعل “أبو وديع” يحظى بمحبة جارفة، لأنه لم يضع حواجز بينه وبين جمهوره، بل عاش حياته بصوت عالٍ كما غنّى دائمًا… حياة تشبهه تمامًا صاخبة، مليئة، وصادقة.